يعود تألق منتخب المغرب إلى الدفاع الحديدي والقدرة على الارتداد السريع إلى الهجوم وامتلاك حارس مرمى قوي شارك في بطولات كبيرة والمدرب وليد الركراكي الذي نجح في مزج هذه الخلطة رغم توليه المسؤولية منذ فترة قصيرة.
تألق منتخب المغرب في مونديال قطر إذ وصل إلى دور ثمن النهائي كأول فريق عربي يحقق هذا الانجاز، بيد أن بلوغ أسود الأطلس هذا المستوى لم يكن وليد الصدفة بل كان نتاج مثابرة وانضباط تكتيكي يكمن في دفاع حديدي وقدرة على الارتداد السريع إلى الهجوم وامتلاك حارس مرمى نجح في صد ركلتي جزاء في المواجهة الحاسمة أمام الماتادور الإسباني.
ويأتي في مقدمة ذلك قدرة مدرب المنتخب وليد الركراكي في مزج هذه الخلطة الكروية رغم أنه تولى مسؤولية الفريق في نهاية أغسطس / آب.
قبل توليه زمام الأمور في منتخب أسود الأطلس، قاد الركراكي نادي الدحيل القطري للتتويج ببطولة الدوري القطري لكرة القدم عام 2020.
وعقب توليه منصب المدير الفني لمنتخب المغرب، نجح الركراكي في صهر لاعبين يلعبون في دوريات مختلفة في بوتقة واحدة متماسكة على قلب رجل واحد وهو الأمر الذي لم يكن الحال دائما داخل منتخب أسود الأطلس.
المغرب… لا هزيمة تحت قيادة الركراكي
وتأكيد نجاح الركراكي في مهمته جاء من داخل المستطيل الأخضر إذ لم تستقبل شباك منتخب المغرب إلا هدفا وحيدا فيما لم يتعرض الفريق لأي خسارة في المباريات السبع تحت قيادة المدرب الوطني.
وقبل منافسات كأس العالم، خاض منتخب المغرب ثلاث مباريات ودية حيث فاز على تشيلي 2-0 وتعادل مع باراجواي بدون أهداف ثم فاز على جورجيا 3-0.
وفي مونديال قطر، افتتح المغرب مشواره بالتعادل السلبي مع كرواتيا ليتفوق على بلجيكا ويحقق فوزا بهدفين دون رد ثم حقق فوزه الثاني في البطولة على كندا بهدفين مقابل هدف.
وخلال مواجهة إسبانيا في دور الستة عشر، استمر التعادل السلبي بين الفريقين قبل أن ينجح منتخب المغرب في الفوز بركلات الترجيح ليتأهل إلى دور ثمن نهائي كأس العالم كأول منتخب عربي يحقق هذا الإنجاز التاريخي.
وعقب إقصاء منتخب إسبانيا الذي قام بـ 768 تمريرة في أول تسعين دقيقة من المواجهة، قال الركراكي “لست ساحرا. بالضبط، لقد تقبلنا عدم الاستحواذ”.
ورغم ذلك، لم يتمكن الفريق الإسباني من إحراز أي هدف في شباك حارس مرمى منتخب المغرب ياسين بونو فيما استخدم الفريق رباعي ظهره وثلاثة لاعبين في خط الوسط في محاولة لمنع لاعبي المنتخب الإسباني من خلق مساحات كبيرة فيما بدا اللاعبون الإسبان وكأنهم فريق كرة يد يلعبون خارج الصندوق.
نال عز الدين أوناحي لاعب وسط منتخب المغرب، على إعجاب المدير الفني للمنتخب الإسبانى لويس إنريكي، قائلا: “لقد فوجئت باللاعب رقم 8 من أين أتى هذا الرجل، لقد تفاجأت بمستواه.”
لكن كافة أعضاء الفريق المغربي كانوا صامدين فرغم الإصابات إلا أن رغبة اللاعبين القوية ساهمت في وصول المباراة إلى ركلات الترجيح رغم محاولات اللاعبين الاسبان الكثيرة.
حكيمي وزياش والنصيري.. الارتداد إلى الهجوم
بيد أن منتخب المغرب لم يكن فريقا يجيد فقط الدفاع في مباريات كأس العالم، بل كان أيضا قادرا أيضا على الارتداد السريع للهجوم خاصة عبر انطلاقات نجمه أشرف حكيمي.
ومنذ عدة سنوات، تحول حكيمي، الذي لعب في السابق لنادي بوروسيا دورتموند الألماني وإنتر ميلان الإيطالي قبل الانتقال إلى باريس سان جيرمان ، إلى قوة ضاربة في مركز الظهير الأيمن، لكنه في مونديال قطر كان أحد أكثر المدافعين ديناميكية.
ورغم أدواره الدفاعية، كانت يتعين عليه التقدم للأمام في اللحظات المناسبة ليرافقه في الزحف إلى مرمى الخصم المهاجمين حكيم زياش وسفيان بوفال ويوسف النصيري لتوسيع دائرة الخيارات أمام لاعب باريس سان جيرمان.
وفي ذلك، قال الركراكي “لعبنا ضد كرواتيا وبلجيكا وإسبانيا وكنا نعلم أنه إذا تمكنا من قطع تمريراتهم فسوف تتاح لنا فرص، لذلك أرفع القبعة للاعبي المغرب بالكامل كانوا رائعين”.
وقد عانى كل من زياش، لاعب تشيلسي ويوسف النصيري، لاعب إشبيلية، من بدايات صعبة في الموسم الجديد في الدوري الإنجليزي والإسباني، لكنهما حققا نجاحا كبيرا في صفوف منتخب المغرب في قطر حيث احرزا هدفا الفوز أمام كندا في المباراة النهائية لدور المجموعات ما جعل المغرب يتصدر مجموعته التي تضم أيضا بلجيكا وكرواتيا.
الركراكي: “كل مغربي هو مغربي”
ويعد أحد أكبر إنجازات الركراكي في قيادته منتخب المغرب يتمثل في قدرته على إنهاء الخلافات بين اللاعبين المولودين في المغرب وخارجه.
وفي ذلك، قال “قبل نهائيات كأس العالم، واجهنا الكثير من المشاكل مع اللاعبين الذين ولدوا في أوروبا واللاعبين الذين ولدوا في المغرب. لكنهم اليوم أظهروا العالم أن كل مغربي هو مغربي”.
يشار إلى أن أشرف حكيمي ولد في مدريد فيما ولد كلا من نصير مزراوي وزياش في هولندا. وقد اندلعت خلافات بين الأخير والمدير الفني السابق لمنتخب المغرب البوسني وحيد خاليلوزيتش، لكن جرى الترحيب به بعد تولي الركراكي زمام الأمور.
واستغل الركراكي، المولود في ضاحية باريس الجنوبية لوالدين ينحدران من مدينة الفنيدق المغربية، خبرات اللاعبين المولودين خارج البلاد ويلعبون في البطولات الأوروبية الكبرى لتحقيق مكاسب كبيرة خاصة اللاعبين الذين يشاركون في منافسات دوري أبطال أوروبا .
وقد ظهر ضخامة عدد الجالية المغربية التي تعيش خارج البلاد ليس فقط داخل المستطيل الأخضر وإنما أيضا في المدرجات خلال مباريات مونديال قطر حيث يقيم حوالي 15 ألف مغربي.
فخلال مواجهة إسبانيا، شجع أسود الأطلس قرابة حوالي 20 ألف مشجع داخل استاد المدينة التعليمية فيما كان الآلاف يشاهدون المباراة على هواتفهم خارج الاستاد.
وكانت اشتباكات قد اندلعت بين مشجعي المنتخب المغربي والشرطة البلجيكية عقب فوز أسود الأطلس على منتخب بلجيكا بهدفين دون رد في دور المجموعات، لكن الانتصار على أسبانيا أثار احتفالات في مدن أوروبية وحتى مونتريال بكندا، مسقط رأس حارس مرمى منتخب المغرب ياسين بونو.
بونو.. حامي عرين أسود الأطلس
وعقب فوز المغرب على إسبانيا بركلات الترجيح، قال الركراكي “كنا نعرف أنه إذا وصلنا إلى ركلات الترجيح فستكون لدينا فرصة لتحقيق الفوز لأن لدينا واحد من أفضل حراس المرمى في العالم. لقد كافحنا من أجل ذلك”.
وخلال ركلات الترجيح، تصدي الحارس المغربي ياسين بونو لركلتي جزاء فيما لم يكن مونديال قطر هو البطولة الكروية الأولى التي يجذب فيها بونو، البالغ من العمر 31 عاما، الاهتمام إذ في مارس / آذار العام الماضي أصبح أول حارس مرمى في تاريخ نادي إشبيلية يسجل هدفا في الدوري الإسباني وذلك عندما نجح بونو في تحقيق التعادل أمام بلد الوليد.
وعقب الفوز على أسبانيا، قال بونو “إحساس كبير أن أتصدى لركلات الترجيح وأن أساهم في فوز منتخب المغرب. ”لقد كانت لحظة تاريخية، وأشكر الجماهير المغربية على الدعم والمساندة كنا نشعر بالجمهور الذي جاء وساندنا. كنا في حالة تركيز عالية جدا، وسعيد أننا نجحنا في إسعاد الجمهور”.