بعد السلام والتحية..
أدخل مباشرة إلى صلب الموضوع، وأتمنى أن يتسع صدرك لكل ما سأقوله في حقك، وأن تتقبله بكل روح رياضية، وأن تستوعبه في نهاية المطاف، وتعتبره خطابا صريحا وصادقا، من منطلق الغيرة الحقيقية على المصالح الحيوية لنادي وطني كبير وشامخ ومرجعي اسمه الرجاء الرياضي.
لا أريد أن أعود كثيرا إلى الوراء، وإن كان من الضروري استحضار الماضي وتقليب أوراقه، للوقوف على معطيات وأرقام وحقائق تاريخية.
حينما خرجت إلى العلن، في حركات إحمائية وتسخينية، امتدت لسنتين، لتحقق هدفك المشروع في الترشح لرئاسة الرجاء، وأطلقت حملة وسط فئات واسعة وعريضة من الشباب اليافعين، الشغوفين بالرجاء، واستعملت في تلك الحملة خطابا مكدسا بالأماني والوعود والنظريات والشعارات الرنانة، وزاوجت في كل ذلك بين ما هو صحيح وبين ما هو مخادع، وقدمت للرجاويين “كتيبك الأخضر” الذي دونت ووثقت فيه رؤيتك لما تريد أن تنجزه في نادي الرجاء الرياضي، مهدت لكل ذلك بلافتة “باسطا”، التي رفعها مشجعون في المدرجات الوسطى المكشوفة لمركب “محمد الخامس”، وكان الهدف هو توجيه رسالة إلى بعض الرؤساء السابقين للفريق، مفادها “كفى من الاستمرار في إحكام القبضة على الرجاء، واتركوا المجال لوجوه شابة جديدة، محملة بالطموح والإرادة لتحقيق تحولات كبرى في تاريخ الفريق”!!.
وصلت الرسالة من المدرجات، والتقطها من يعنيهم الأمر، بالشكل المطلوب والصحيح.
وتهيأت لك الظروف لتحقق أمنيتك، وتصبح رئيسا جديدا للرجاء، بتاريخ 7 يونيو 2012، كمرشح وحيد، بعد انسحاب الأسماء التي كانت ترغب في منافستك.
توليت المهمة، كمن يتسلم” شيكا على بياض” ليفعل به ما يحلو له، ويساير أهواءه.
الكل التزم بدعمك، ولو عن طريق الانزواء إلى الظل وملازمة الصمت، حتى لا يتهم بالتشويش عليك، وتدبير الدسائس والمؤامرات ضدك…
وكانت النقطة الوحيدة المضيئة في تجربتك كرئيس للرجاء، تتمثل في المسار الرائع للفريق في بطولة العالم للأندية لعام 2013، ببلوغه المباراة النهائية التي واجه فيها العملاق الألماني والأوروبي بايرن ميونيخ، وهذا المسار الناجح واللافت، لم يكن ليرى النور، لو لا احتضان المغرب لهذا الاستحقاق العالمي.
كان الأمل كبيرا في أن يشكل هذا التألق أمام كبار الأندية في العالم، بداية نحو ترسيخ العالمية، التي بلغها الفريق من بوابة المجد الإفريقي كبطل ل”أم المسابقات”، بمشاركته التاريخية في النسخة الأولى من مونديال الأندية بالبرازيل عام 2000، لكنه تحول من نعمة إلى نقمة، وهوى معه الفريق إلى الهاوية من الناحيتين المالية والتنظيمية.
لا تنزعج، ولا تغضب، إنها الحقيقة التاريخية المؤلمة، فالصعود إلى قمة مونديال الأندية، بدل أن يستثمر كمكتسب في تطوير منهجية التسيير والإدارة والتسويق، وجلب مستشهرين ورعاة، ووضع مخطط شامل للارتقاء بالفريق، وإنجاز عمل ميداني في العمق، لتكوين وتخريج لاعبين واعدين، وتوفير كل شروط الرعاية والتتبع والحماية لهم، ولمؤطريهم ومربيهم، أضحى شبيها بالصعود إلى المجهول، فعصف بكل شيء، ورسم ملامح مستقبل غامض ومفزع!!.
بعد تسلمك لمفتاح الرئاسة، أغلقت مركز التكوين، في الوقت الذي كان الواجب يحتم عليك أن تعزز هذا المكسب بمشاريع جديدة، أو على الأقل، أن تحرص على إعادة تأهيل المركز، وتدعيمه بمرتكزات جديدة، للرفع من قيمته، وتجويد أساليب إدارته، وتعاقدت مع عدد غفير من اللاعبين، دون أن يستفيد منهم الفريق، بل إن بعض الصفقات ولدت ميتة (حالة اللاعب الدولي المصري عمرو زكي على سبيل المثال)، وطرحت علامات استفهام كبيرة، هذا دون الحديث عن الدعاية التي أطلقتها، بقرب التحاق نجم كرة القدم العالمية مارادونا بالرجاء كمستشار لك…
ولا أحد يمكن أن ينسى الانقلاب التاريخي الذي طبخته في الخفاء، للإطاحة بمحمد أوزال من رئاسة المكتب المديري المتعدد الأنشطة الرياضية، وعقدك لجمع عام سري في أحد مكاتبك بشارع “عبد المومن”، خرجت منه محمولا على الأكتاف كرئيس لهذا المكتب المديري، لكن بعد شهور، أعلنت عن استقالتك، وأنت في المشاعر المقدسة تؤدي مناسك العمرة، وتأكد للبعيد قبل القريب، أن الهدف من ذلك الانقلاب /الفضيحة، هو إبعاد أوزال، لأنه يعد من “رموز العهد القديم”، وليس تقوية مسار المكتب المديري، وتحسين أوضاع فروع النادي، والتخفيف من حدة الأزمات المالية التي تعاني منها.
وبعد ذلك، عدت من الباب الخلفي، وأصبحت رئيسا لما يسمى بالمجلس الإداري، لكن التجربة فشلت لأنها لم تكن مستندة على إرادة صادقة، وأسس قانونية صحيحة.
وتوجت هذا المسار الغريب الأطوار، والمثير للجدل، بتحويل فرع كرة القدم إلى جمعية أحادية النشاط الرياضي، وبهذه الخطوة كشفت عن المخطط الخطير الذي كنت تقوده بهمة ونشاط وحيوية، وهو هدم كيان وهوية الرجاء كنادي متعدد الأنشطة الرياضية!!.
ولا أعرف كيف يمكن لمن يدعي حبه وغيرته على الرجاء، كإرث رياضي وطني، أن ينتزع فرع كرة القدم من جذوره، وأن يتنكر لفروع تتشارك معه في الانتماء والهوية، وتتقاسم معه معاني هذا الانتماء، وهذه الهوية، علما أنك كنت في فترة معينة رئيسا لفرع الرجاء للبادمنتون (كرة الريشة).
لا أريد أن أتحدث عن القطعة الأرضية التي خصصت لبناء أكاديمية الرجاء، لأن هذا المكسب الكبير، هبة ملكية للنادي، مكافأة له على مساره المتميز والرائع في بطولة العالم للأندية، وكنت أتمنى لو أنك حرصت على أن تستغل الهبة الملكية الثمينة لبناء مرافق رياضية أخرى، كمسبح نصف أولمبي، وقاعة مغطاة متعددة التخصصات الرياضية، لكنك أضعت الوقت في حكاية: “من السابق الدجاجة أم البيضة”؟!!.
ذهبت بمحض إرادتك، وتركت الفريق يصارع مستقبلا غامضا، بسبب كثرة الديون والمتأخرات وثقل العقود والمصاريف وملفات النزاعات…
إنها الحقيقة التي تحاول التغطية عليها، ولكن مع ذلك، لا يمكن أن نكون جاحدين، لأنك حققت بعض النجاحات ذات الصبغة الرياضية.
غير أنه حينما نقارن بكل حياد وموضوعية، ونزن بين كفة الإيجابي والسلبي في حصيلتك وإرثك الثقيل، ترتفع كفة السلبي إلى عنان السماء!!.
من يحب ويعشق الرجاء حتى النخاع، يستطيع أن يقدم خدمات وإسهامات عظيمة، سواء من قريب أو من بعيد، وهو يستحضر الحكمة الشهيرة: “إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب”، أو أن يلتزم على الأقل بالكلمة الطيبة، التي فرعها في السماء!!.
اليوم، تتحرك في كل الاتجاهات، لكي تثبت أنك رجاوي، وتتحدث عن مبادرات شخصية قمت بها لاستقطاب لاعبين للفريق، لكنك تسقط نفسك في المحظور، لأن الرجاء لا يعيش فراغا تسييريا، فهناك مكتب مديري قائم الذات، مازال يمارس مهامه برئاسة جواد الزيات، وحتى الرئيس نفسه، مازال يمارس صلاحياته، مادام لم يقدم استقالته بشكل رسمي، لمن اختاره رئيسا، وهو الجمع العام، ويقدم معها جردا بالحساب، فمن أعطاك صلاحية القيام بهذه المبادرة العفوية؟!.
لقد عبرت عن إعجابك بالأهلي المصري، غداة فوزه بلقب دوري أبطال إفريقيا للمرة التاسعة في تاريخه، وانتقدت بشكل لاذع زملاءك الرؤساء السابقين، وسميتهم ب”الشيوخ”، مع أنك لم تقد الرجاء إلى أي تتويج قاري، لكنك لم تمتلك شجاعة الاعتراف بأن الأهلي نادي موحد ومتعدد الأنشطة الرياضية، وأن الرجاء وحيد النشاط!!.
في الرجاء تقاليد حضارية جميلة ورائعة، لا توجد داخل أي ناد مغربي آخر، جعلت منه النادي الوحيد الذي يجتمع ويلتقي رؤساؤه السابقون، ويتواصلون في ما بينهم للبحث عن حلول لأزمات النادي، وبدل أن تستغل هذه المؤسسة لتعبر داخلها عن أفكارك وتدافع عن تصوراتك للمرحلة وما بعدها، تختار أن تهاجمها، لأسباب غير خافية على أحد.
للتاريخ دروسه المفيدة والمعبرة، ولكن له أيضا مكره، فالرؤساء السابقون، الذين عملت على إبعادهم ومحاربتهم بشتى الوسائل والطرق، هم الذين عادوا من الباب الكبير للمساهمة في إنقاذ الفريق من حالة الإفلاس التي كان لك نصيب وافر منها!!.
المرحلة الحالية، لا تقبل بالدخول في مناوشات وصراعات غير مجدية، لأن من سيذهب ضحيتها في النهاية هو الرجاء.
تقبل مني هذه الرسالة المفتوحة، وتأكد أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن كلام العقلاء منزه عن العبث!.
عن رسالة الأمة