لا يذكر الصحافيون اللاعب أحمد مكروح الشهير بلقب “بابا” إلا مرة واحدة كل سنتين، أي حين يقترب موعد نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، حيث يستحضر المغاربة هدفه التاريخي في مرمى المنتخب الغيني الذي منح بلدنا لقبا إفريقيا يتيما يعود لعام 1976.
يغيب اسم “بابا” ويختفي في زحمة الانشغالات اليومية، ثم يبعث من جديد. من حسن حظ لاعبنا أن نهائيات كأس إفريقيا تنظم كل سنتين، لذا سيضبط رنة هاتفه المحمول على أغنية “زوروني كل سنتين مرة”.
عذرا “بابا” على هذا التعامل البراغماتي الذي يجعلنا نستحضرك كلما اقترب موعد نهائيات كأس إفريقيا للأمم، ثم نرمي بك في ركن المتلاشيات في دهاليز أدمغتنا.
من العبث أن نزور موسم الولي مولاي عبد الله مرة في السنة ونسأل عنك بعد سنتين. هل هو صالح أكثر منك؟ وهل أصبح اسمك مرتبطا بدورة إثيوبيا كما ارتبط بها الإمبراطور الحبشي “هيلا سي لاسي”؟
مات عدد من لاعبي ومدربي المنتخب المغربي الحائز على أول كأس وآخر كأس إفريقية في تاريخ الكرة المغربية، ومنهم من يعيش الوقت بدل الضائع من الحياة الدنيا مهموما مكسور الوجدان.
مات حارس المرمى الهزاز والمهاجم أبو علي ولاعب الوسط ظلمي والمدرب ماردريسكو والناخب الوطني بلمجدوب ورئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عثمان السليماني، والمعلق الرياضي الغربي، وموفد لاماب الخوضي، والزعيم منغستو الذي سلم الكأس لعميد المنتخب، ماتوا دون أن ينعموا برؤية كأس أخرى في سجل الكرة المغربية، بينما تحول زملاؤهم إلى زبائن أوفياء للأطباء والصيادلة والعشابين والحجامين.
قيل والعهدة على مفتي المنتخب، إن الكأس اليتيمة رزق حلال، في زمن اللاءات: لا منح لا حوافز لا طائرة خاصة لا فندق مصنف، لا مدلك لا طبيب تغذية لا معد نفسي لا مدرب حراس لا مترجم لا محترف لا وصي على الصحافيين لا تلفزيون ينقل المباريات، لا متعهد حفلات لا حرس خاص، كل ما يملك هؤلاء الشجعان قلب ينبض بحب الوطن.
قبل أن تحط بعثة المنتخب المغربي الرحال في بلاد الحبشة، توقفت في السعودية حيث فاز الوفد بعمرة أشبه بشحن معنوي للاعبين.
تحملت الحكومة السعودية نفقات السفر ودعت لنا بالنصر، فكان الدعاء مستجابا.
فاز المنتخب المغربي بكأس إفريقيا وعزف النشيد الوطني في بلد كان يعيش حالة تناحر قصوى، مرت الأيام رتيبة فاعتزل صناع ملحمة أديس أبابا اللعبة مثنى وثلاث، وأتقن أحياء لا يرزقون لعبة الصمت، قلة منهم اختارت التدريب في الظل وطلعات بين الفينة والأخرى في استوديوهات التحليل، وغالبيتهم قاطعوا مدرجات الملاعب وانتهى بهم المسار في أريكة البدلاء في بيوتهم، بينما صارت فئة منهم “كرة” يتقاذفها رؤساء الفرق ويرمونها بوعود مباراة اعتزال أشبه بتأبين على قيد الحياة.
تمر السنوات ونحن نطارد كأس إفريقيا، ندخل مغاراتها مولودين ونغادرها مفقودين، تناوب على تدريب منتخبنا مدربون من مخلف الجنسيات، ظلوا يركضون خلف خيط دخان، يداعبون ظلهم كما يداعب مخمور خياله المنعكس على الجدران، يحاولون الإمساك عبثا بتلابيب الحلم لكن دون جدوى، وحين يلمسون شظايا الغضب المتطاير حولنا، يضربون لنا موعدا بعد عامين إن كان في العمر بقية.